الأحد 3 جمادى الأول 1447هـ 26 أكتوبر 2025
موقع كلمة الإخباري
في عصر تيك توك والذكاء الاصطناعي.. لماذا تخسر المواقع الإخبارية والدينية المعركة؟!
حسين الخشيمي
رئيس تحرير موقع كلمة الإخباري - متخصص في الإعلام الرقمي
2025 / 10 / 25
0

مع موجة صعود الفيديو القصير المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تجد مواقع الويب التقليدية – ومن ضمنها المؤسسات الإخبارية والدينية – نفسها في معركة وجود حقيقية. 

السؤال لم يعد حول "من يملك المحتوى" بل "من يملك الانتباه". هل ستبقى هذه المواقع، التي تمثل أرشيفاً للعمق والمصداقية، "صامتة" ومحصورة في زاوية رقمية منسية، بينما تتهافت جماهير المستخدمين على الإثارة العابرة لمنصات التواصل الاجتماعي؟

التحليل يشير إلى أن المواقع التقليدية لن "تختفي"، لكنها تواجه خيارين لا ثالث لهما، التحول الجذري أو التحول إلى "مستودعات" للمحتوى يُعاد تدويره على أراضٍ يملكها الآخرون.

لقد كانت مواقع الويب في السابق هي "البيت الرقمي" الذي يضمن للمؤسسة سيادتها الكاملة على محتواها وبيانات جمهورها. اليوم، تغيرت المعادلة لصالح المنصات الاجتماعية (مثل فيسبوك، تيك توك، وإكس) التي تحولت إلى بوابة الدخول الرئيسية لمعظم المستخدمين.

الخوارزمية هي المتحكم، ولم يعد وصول المحتوى مرهوناً بجودته أو مصداقيته، بل بمدى توافقه مع الخوارزميات المتغيرة باستمرار. المواقع الإخبارية باتت مضطرة لتصميم محتواها (العناوين، الصور، وحتى الصياغة) بما يتناسب مع مزاج خوارزميات المنصة، لضمان وصول "وصلة" أو "سنيبت" (Snippet) تقود المستخدم إلى موقعها.

وهذا الاعتماد يترجم إلى خسارة اقتصادية؛ فمعظم الأموال والإعلانات تتدفق مباشرة إلى المنصات. المؤسسات تضخ استثماراتها في حملات إعلانية مدفوعة على "فيسبوك" لجذب الجمهور إلى موقعها، بدلاً من استثمارها في تطوير "بيتها" الرقمي الخاص.

المواقع التي لا تستثمر في "الرابط القصير" وتكتفي بانتظار الزائر، تجد نفسها معزولة ومحاطة بـ "وادي رقمي" لا يصله أحد إلا عبر بحث مستهدف.

من هنا، تواجه المواقع المتخصصة – سواء كانت دينية أو إخبارية تحليلية – تحدي نمط الاستهلاك السريع الذي فرضته المنصات، خاصة مع صعود الفيديوهات القصيرة (Reels و TikTok) التي لا تتجاوز الدقيقة.

المواقع الإخبارية تتخصص في المحتوى العميق والتحليلي وطويل النفس، وهو ما يتناقض مع رغبة الجمهور في "الخبر على السريع". تفقد المواقع الإخبارية المعركة أمام سهولة وسرعة "العناوين العاجلة" على الشريط الإخباري لمنصات التواصل، مما يهدد مصداقيتها ويقلل من تأثيرها المباشر في تشكيل الوعي.

المواقع الدينية: تواجه تحدياً خاصاً. فالمحتوى الديني الأصيل يعتمد على السكينة، العمق، والسرد الطويل، وهي مفاهيم يصعب ضغطها في مقطع "تيك توك" سريع أو صورة معبرة. هذا الضغط يهدد بتحويل الخطاب الديني إلى "افتراضي" سطحي يعتمد على المقولات المقتضبة والصور البراقة بدلاً من الفهم الفقهي العميق والمناقشة الدقيقة للمفاهيم والمطالب العلمية.

مواقع الويب ليس أمامها إلا أن تغير جلدها. استراتيجية النجاة لم تعد تتمحور حول "المنافسة" بل حول "التكامل" و"الابتكار"، ولكن كيف يكون ذلك؟

الجواب، يمكن من خلال (تطبيقات الويب)، فهذا هذا هو الرهان التقني الأبرز. يمكن للمواقع التقليدية أن تتحول إلى تطبيقات تعمل بكفاءة التطبيقات الأصلية على الهواتف، وهو ما عملت عليه مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، أو تطبيقات المصارف والبنوك التي تعتمد بالأساس على مواقع ويب في تغذية تطبيقاتها، وغيرها من التجارب الكثيرة الموجودة في العالم الافتراضي اليوم.

يمكن أيضاً من خلال الاستثمار في البيانات، حيث تمتلك المواقع التقليدية ميزة هائلة بتوفير المعلومات والبيانات التي يحتاجها المستخدم، ويمكن للمواقع الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب مُخصصة تماماً للزائر، مما يعزز ولاءه للمحتوى النوعي على عكس المنصات التي تقدم محتوى عشوائياً وفق الخوارزمية.

كما لا ينبغي الإغفال عن التكامل بين منصات التواصل الاجتماعي مواقع الويب، فالمواقع الناجحة تدرك أن المنصات هي قنوات توزيع وليست محتوى بحد ذاته. لذا، تعتمد استراتيجية "الإغراء والعودة"، حيث يُستخدم الفيديو القصير أو الملخص الجذاب على تيك توك أو إنستغرام لـ"إغراء" المشاهد، على أن تكون قمة الهرم (المادة الكاملة والموثقة) موجودة حصرياً في "البيت الخاص" (الموقع).

إن المواقع التي ستنجو هي تلك التي تدرك أن العصر الحالي هو عصر "المحتوى المزدوج" سريع وعابر على المنصات، وعميق وموثق على الويب الخاص. 

المواقع الدينية والإخبارية لن تعود إلى الصدارة كما كانت في التسعينيات ومطلع الألفية، لكنها ستصبح "معقل المصداقية" الوحيد الذي يلجأ إليه المستخدم عندما يفتش عن المعلومة الكاملة والموثوقة في ضجيج الإثارة الرقمية.

التعليقات